الشاعر ابن عتيج

الشاعر ابن عتيج
                      هو الشاعر سعيد بن راشد بن سعيد بن عتيج الهاملي.
ولد في محضر (حوايا) الذي يقع في بطانة ليوا، ويبعد عن ليوا شمالاً بمسافة 20 كيلومتراً، في سنة 1875م تقريباً.
شبّ وترعرع في بادية الظفرة، فكان يتنقل مع أهله في صحرائها الواسعة وواحاتها المتناثرة، حتّى كبر، وكان أبوه يعمل في صناعة (البدود)، والبد هو حشية من ليف النخل تصنع لتوضع على ظهر الناقة فيما يلي الشّداد، لأن الليف بارد، فهو مناسب للناقة في وقت الحر بخلاف (السدو) المنسوج من الصوف الذي يؤذي الناقة ويزيدها حرارة.
وأما ابن عتيج فعمل في الغوص وعمل في رعي الإبل، وعمل كذلك في زراعة النخيل والاعتناء بها، ومن الأعمال المهمة التي عمل بها والتي أكسبته خبرة في الحياة وجعلته يحتك بكثيرٍ من الناس هي مهنة (اليمال) وهي نقل المسافرين على ظهور الجمال من ساحل البحر إلى بادية الظفرة أو محاضر ليوا وبالعكس.
إن آثار هذه المهنة وما أنتجته من علاقات عاطفية ظهرت واضحة في قصائد بن عتيج وأنتجت جميل القصائد ومنها رائعته (صاح ابزقر لمنادي)، التي بدأ الشاعر فيها يقف على الشاطئ يراقب فتاته وهي بين جمع المحتشدين على صدر السفينة التي ستبحر بها إلى الجزر بعد أن كانت منذ قليل تركب معه ليوصلها وأهلها إلى هنا، لقد كاد قلب الشاعر أن يفر من صدره وراء تلك الفتاة، وكادت نفسه تزهق حسرة عندما سمع نداء ربان السفينة وهو يأمر بالإبحار والانطلاق في البحر، غير عابئ بذلك الذي يقف شبه مقتول على الشاطئ دون أن يحس أحدٌ بما في صدره من عواطف.
اشتهر ابن عتيج بأنه من شعراء الإمارات المرموقين، ووجدت أشعاره صدى طيباً في نفوس أبناء مجتمعه قديماً وحديثاً، واعترف له الشعراء بعلو مرتبته الشعرية وكفاءته العالية.
ويروى أنّ والده لم يكن محباً للشعر ولا يرغب في أن يكون ابنه شاعراً، ولكن موهبة الولد كانت تزاحمه، وكانت تتدفق بالشعر أمام الناس فوصل خبر ذلك إلى والده، وتواترت الأخبار عن شاعرية ولده.
وفي يومٍ من الأيام كان الوالد مشغولاً بمهنته يصنع البدود، وكان ولده سعيد من حوله فقال له الوالد: سمعت أنك تقول الشعر، فابتسم الولد غير منكرٍ للخبر، وهو يعلم أنّ ذلك لن يسر والده فقال الوالد: يا سعيد إذا كنت شاعراً فهات لي شعراً تذكر فيه البد، وإن فعلت فلك أن تكون شاعراً وسأكون سعيداً بذلك.
ففكر ابن عتيج قليلاً ثم قال:
كوسٍ مهبه بدي           غبا وطى ورمال
من كلّ عدب وندي          شل أربع يفال
وأصبح هواه أمردي         عنده شراحة بال
وأنا أجسدي ملتدي         حاني شرى لهلال
عن وصلهم لا بدي         في أسعود إمن الليال
على ابكراتٍ ضدي         ومن الربخ ذبال 
وفور انتهاء سعيد من قصيدته قال له والده: إنك شاعر يا بني ولن أقف في سبيل شاعريتك، ولكن عليك باحترام كلمتك ولا يخرج منك إلا الكلام الطيب، فان الكلمة إذا خرجت من الفم لا يمكن ردها.
وعُرِفَ عن ابن عتيج كذلك كما برزت أشعاره صفاته وطباعه، أنه كان محباً لوطنه، وأكثر من ذكر مرابعها ومحاضرها ومواردها ومعالمها في أشعاره .
ويروى أن ابن عتيج كان يعد نفسه وجماعة من أترابه وأصحابه للثأر من غزاة كانوا هاجموهم من قبل ، ولم يكن لديه سوى قعود اسمه (أبو سولع)، ولم يكن هذا القعود يصلح لأن يغزي عليه.
وفي ليلةٍ رأى ابن عتيج في منامه أنه قد ضُرِبَ بالرّصاص فأصيب في صدره، وأنه يضع يده على جرحه الغائر حتى أصبح يتنفس منه، وفي الصباح أخبر صديقه أحمد بن بليد المرر بما رأى، وأنه متشائم من ذلك ويشعر بأن منيته قريبة.
وكان لابن عتيج أخت أرملة ولها ابنتان هما: موزة بنت مبارك، وفرير بنت مبارك، وكان المسوؤل عنهن، فأوصى صديقه أحمد بن بليد بالبنتين وأمهما، وفي الصفري توجه بن عتيج إلى ليوا وهناك صادف غزاة من المناصير ومن بني ياس، وكان معهم قماش بن جديد المنصوري يركب ناقة معروفة باسم (الصفيره)، التي يملكها بن كنيش الهاملي، وكان قماش قد استعارها منه ليغزوا عليها وقد جهزها بكل ما يلزم الغازي من زاد وعتاد.
فطلبها بن عتيج منه ليغزوا عليها؛ لأنّ قعوده لا يتحمل السفر والغزو والمشقة، فقدمها قماش لابن عتيج بما عليها جاهزة للغزو، بينما قعد قماش ولم يذهب مع الغزاة.
ولما حصلت المعركة بين القوم وحمي الوطيس، وتبادلا الفريقان الرمي بالرّصاص، كان ابن عتيج يضرب ببندقيته وهو واقف، وأصحابه ينادون عليه: اتّق، اتّق يا بن عتيج عن الرمي، وقد حدث ما توقعه بن عتيج فقد قتل في هذه الغزوة التي وقعت على الأغلب في الأراضي العمانية، وذلك في سنة 1919م، فعاش 44 سنة ولم يتزوج.